20
مارسالعثمانوفوبيا
أن يخاف اليوناني من تقدم تركيا وطموحها لاستعادة ذاتها ودورها ومجدها قد أفهمها لأني أفهم أنه لم ينس أنه كان تحت سلطان الخلافة رغم نسيانه انها احترمت حريته الدينية بموجب عقيدتها الإسلامية نقيضة تعصب الأرثودوكسية.
وأن يخاف الفرنسي من تركيا لنفس العلة قد أفهمها لأنه لم ينس أن عربدة أجداده توقفت بمجيء آل عثمان وإن نسى أن اجداده احتموا بالخلافة العثمانية.
وأن يخاف البرتغالي من تركيا قد أفهمها لأن الخلافة طردتهم من بحر العرب ومن البحر الاحمر ومن الابيض المتوسط.
وأن يخاف الالماني من تركيا قد أفهمها لأن الخلافة أخرجت مؤسس أوروبا الحديثة شارل الخامس من الأبيض المتوسط وأنهت حرب الاسترداد خاصة في المغرب الكبير وأنهت مشروع القيصرية المسيحية في الإقليم.
وأن يخاف الفارسي من تركيا قد أفهمها لأنهم كانوا ولا يزالون في حرب على الإسلام السني ولم يلجمهم حقا إلا السلاجقة بداية والخلافة غاية.
أما أن يخاف الإسرائيلي من تركيا فهو ما لم أستطع له فهما غير نكران الجميل والعدوان العنصري لأن من حمى يهود العالم في حرب التصفية العرقية والدينية في أوروبا الصليبية والاستردادية هي الخلافة الإسلامية.
وأما أن يخاف أنذال العرب من تركيا ويعادون نهضتها فذلك هو اللغز الذي يحيرني حقا. فلا يمكن لعربي له ذرة من الرجولة وبعض الشهامة أن يتنكر لمن لولاه لما بقي عربي بعد سقوط الخلافتين الأموية الكبرى والأموية الصغرى.
فلولا السلاجقة لذهبت ريح السنة والعرب. ولولا العثمانيين لما بقي مسلم في الاقليم. فحرب الاسترداد كانت أقوى حتى من الصليبيات لأن هذه حدثت لما كان الإسلام أكثر تقدما وقوة وتلك حدثت لما شرعت الأمة في الانحدار على كل المستويات الروحية والمادية.
ولولا العثمانيين لصار الأبيض المتوسط كما كان يسمى “مارا نوسترا” تابعا لروما التي كان شارل الخامس ينوي استعادتها.
ولكان نفس الشيء قد حصل في بحر العرب والبحر الأحمر والخليج ولكان الحلف بين الصفويين والبرتغالين قد حقق ما تفاخر به إيران الآن من استعادة ما تعتقده حقها في كل ما كان قبل الإسلام من مستعمرات لها مثل المناذرة ومن مستعمرات بيزنطة مثل الغساسنة. وقد تكون إسرائيل بديلا من بيزنطة ولعل روسيا تحلم بذلك الآن. فقد يكون بوتين يخطط لاستئناف دورها.
لكني أفهم أن يكون هذا موقف الحكام من أجلاف العرب الذين نصبهم الاستعمار الإنجليزي لخيانة الخلافة والحلف معه لأسقاطها.
وأفهم أن يكون بقايا القوميين وبقايا من عبيد الفاشية العسكرية وبقايا اليسار من عبيد أي مستبد في العالم وليس بين العرب وحدهم وأن يكون من لا وجود لهم إلا بوصفهم حركيين من حزب فرنسا في المغرب الكبير ولبنان.
أفهم أن يكون كل هؤلاء خائفين من الاستئناف عامة ومن عودة تركيا لحاضنتها الإسلامية ولماضي أجدادهم ومجدهم خاصة.
فهذا يعني نهاية كل أحلامه البدائية بالعيش على قشور المدنية بدعوى الحداثة والتنوير الذي لا يتجاوز الحانة والعانة.
فما رأيت في حياتي نخبة بهذه البلادة والحمق لكأن الحداثة هي العيش الاستهلاكي بالتسول وليس بالإنتاج المحقق لشروط الكرامة والحرية وعدم التبعية.
ما لا أفهمه حقا هو أن العرب ليس لهم ما يخيفهم من تركيا. فهم بقليل من العقل يمكن لأربع من “دويلاتهم” في الخليج – الكويت وقطر والإمارات والسعودية – وحدهم أن يكونوا قادرين على أن تكون لهم قوة اقتصادية وحتى عسكرية تضاهي قوة تركيا مرتين: فمجموع دخلهم القومي يتجاوز التريليونيين.
كان يكفي لو كان لهم طموح الاجداد ليتحرروا من عبث “الاولاد” أن يكونوا قوة بدخل قومي خام يفوق ضعف دخل تركيا الخام فلا يخافوا منها بل يعتبروها سندا يزيل الخوف عن الامة كلها من غير سنة الإقليم وحتى أمة الإسلام كلها من المغرب إلى اندونيسيا ومعهم المسلمون في المهاجر إذا اتحد العربي مؤسس دولة الإسلام في البداية والتركي حاميها في الغاية.
لكن أجلاف الحكام العرب – حاشا الشعوب التي ليس لها من طموح يضاهي هذا الحلم الذي هو في المتناول – يفضلون انقسامهم إلى نوعين من العبيد والمحميات.
فهم انقسموا بدلا من ذلك إلى عبيد الصفوية وعبيد الصهيونية يدفعون الجزية ضعفين لروسيا وأمريكا ولذراعيهما إيران وإسرائيل حتى يتمتعوا بالعودة إلى تناحر القبائل العربية وحروب داحس والغبراء.
ذلك هو ما يجعل حكام العرب اليوم قد جعلوا شعوبهم ذليلة تعاني من الاستبداد والفساد ومن بطولات وهمية لزعماء أوغاد ونخب سياسية وثقافية من سقط المتاع أرقى درجة يطمحون إليها هي أخذ الحداثة بالمقلوب لظنهم أنها قابلة للاستيراد جاهزة مقابل بيع زيت الحجر أو المتاجرة بالبشر والدياثة التي يخلطون بينها وبين الحداثة.
إن لله في خلقه شؤون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مراجعات